المـقــدمـــة

انتشرت اللغة التركية في محيط زماني و مكاني عظيم بين الشرق و الغرب و نطقت بها شعوب كثيرة , وكتبت بأبجديات متباينة , و شاركت في صياغة حضارات عدة , فأثرت بها , و سجل بها تراثاً إنسانياً لا يزال بيننا حتى يومنا الحاضر . و اللغة التركية الحديثة هي وليدة الجمهورية التركية الحديثة , اعتبرت اخر مراحل تطور اللغة التركية الشرقية , و شهدت خلال هذه المرحلة تطوراً فريداً في الشكل و المضمون , فكتبت بالأبجدية اللاتينية , و انفتحت على المفردات الأوروبية , و ما وال هذا التطور مستمرا حتى يومنا هذا . 

وتحتل اللغة التركية موقعاً متميزاً في مجموعة الاسرات اللغوية ” أورال – ألتاى ” حيث تتصدر أسرة لغات الألتاى التي تجمع بينها سمات أهمها : أنها لغات التصاقية ذات لواحق بناء وأن لواحقها تأتى في نهاية الكلمات ولا تأخذ أية لواحق فى بداية الكلمة و أنه لا يطرأ أي تغيير على أصل الكلمة فيها عند تصريفها أو بناء اشتقاقات منها بإضافة لواحق في نهايتها , فأصل الاسم و الفعل و الصفة فيها , و أن أصل الكلمة يتشكل من مقطع واحد فقط و أن هذا الأصل يكون غالباً المادة الأصلية للفعل . و يمكن القول بأن الكلمات في هذه اللغات تشتق من هذه المادة الأصلية للفعل مع وجود بعض الاستثناءات , و أن أصل الكلمة يمثل الاسم في حالة التجريد و الفعل في صيغة الأمر الحاضر المفرد , و أن الكلمة فيها لا تميز بين المذكر و المؤنث أي أنه لا يطرأ أي تغيير عليها عند الإشارة إلى أي من الجنسين .

و تتميز الكلمة في هذه اللغات بالتوافق الصوتي أي أنه إذا بدأت الكلمة بمقطع ذا حرف صوتي خفيف فإن مقاطع الكلمة التي تأتى بعدها لابد أن تكون خفيفة و إذا بدأت الكلمة بمقطع ثقيل تكون المقاطع التالية ثقيلة , كما أنه إذا انتهت الكلمة بمقطع خفيف أو ثقيل فإن اللواحق ذات الأحرف الصوتية التي تأتى بعدها لابد أن تتوافق معها صوتياً أيضاً , و أنه يتم ترتيب اللواحق في كلمات لغات هذه الأسر اللغوية بحيث تأتى لواحق البناء بعد أصل الكلمة مباشرة ثم تأتى بعد ذلك لواحق التصريف , و أن العناصر المساعدة في ترتيب الكلام مثل المضاف إليه و المضاف تأتى قبل الاسم و العناصر الأصلية في الكلام مثل المضاف و الموصوف تأتى بعد الاسم , و أن الفعل أو ما ينوب عنه في الجملة ( المسند ) يقع في نهاية الجملة حيث تبدأ الجملة بالفاعل أو المبتدأ ( المسند إليه ) و تنتهى بالفعل أو الخبر ( المسند ) , و تحتل متممات الجملة موقعها بين المسند و المسند إليه .

وفى الربع الأخير من القرن الـ 11 أي في عام 1071م فتح السلاجقة الأناضول في معركة كبيرة دارت بين الروم و السلاجقة باسم ” معركة ملاذجرت ” . و منذ ذلك الحين أصبحت الأناضول هي المركز الأصلي للغة التركية حيث كانت تكتب وقتها بالحروف العربية و كانت لغة تخاطب فقط و لم يكن هناك حروف تسمى بالحروف التركية . و قد أحتفظ سلاجقة الأناضول باللغة التركية و بدأوا في كتابتها باللغة العربية في القرن الـ 13 حيث قامت بذلك دولة كيرميان في الأناضول و دولة آل عثمان عن طريق العلماء و الكتاب و من ثم بدأ ترجمة اللغة العربية و اللغة الفارسية إلى اللغة التركية حيث بدأت تنشط عملية الترجمة عندما تبنتها الدول المجاورة من خلال أشعارهم و ترجماتهم . و قد كانت اللغة التركية في القرن الـ 16 و الـ 17 لغة صعبة حيث كانت تعرف بأسم لغة و أدب الديوان لصعوبتها و عدم فهمها و لم يكن الشعب يفهمها أنداك .

و عندما حل القرن الـ 17 أصبحت نسبة اللغة العربية 70% و اللغة الفارسية 20% أما اللغة التركية فقد وصلت نسبتها إلى 10% في الشعر حيث كانت لغة تعبر عن اللغات الثلاث . و مع بداية القرن الـ 19 حدث تطور حيث ضعفت الدولة العباسية و بدأ الغزو الأوروبي و الغزو الغربي و بدأت اللغة التركية تفتح أبوابها للغات الأوروبية والغربية الأخرى من إنجليزية و فرنسية و إيطالية….. إلخ نظراً لاحتكاكها بالغرب ووفقاً لعمليتي التأثير و التأثر . و مع نهاية القرن الـ 19 و بداية القرن الـ 20 بدأ الأتراك يلاحظوا أن لغتهم قد تغيرت فعزموا على تنقيتها من التعابير و الألفاظ و الكلمات….. إلخ العربية والفارسية التي دخلت عليها لإحيائها من جديد وحتى ذلك الحين بقيت عادات وتقاليد الأتراك كما هي. و مع دخول الربع الأول من القرن الـ 20 انتقلت اللغة التركية نقلة كبيرة حيث قام كمال الدين أتاتورك بثورة أدت إلى :

• أنقلاب حروف اللغة عام 1928م حيث أقر كمال الدين أتاتورك أن الحروف التركية يجب أن تكتب باللاتينية .

• أنقلاب اللغة عام 1928م حيث كانت اللغة التركية تحتوى على كلمات غريبة و كان يجب تنقيتها من اللغة العربية و الفارسية فقام كمال الدين أتاتورك بتشكيل “مجمع اللغة التركية” عام 1937م وهدفه تطوير وتنقية اللغة التركية